جريدة النهار: كتاب - هنري زغيب" في رحاب الأخوين رحباني": للتاريخ للذكريات للحنين إلى عاصي ومنصور

Tuesday March the 17th 2015 at 12:00 AM

للشاعر هنري زغيب عشقان، سعيد عقل والأخوين رحباني. عشقان ملتهبان كنار معبد لا تنطفئ، كاهنها منذور لتأجيج الشعلة دوما، بالريشة، بالإلقاء في وسائل البث، وفي لقاءات حميمة يحلو فيها السمر على نغم قصائدهم، فتعلو من ذاكرة هذا الولهان، آيات لا يتعثّر بتواريخ ولادتها ولا بالحدث الفني الكبير الذي تخاوت فيه القصيدة بصوت فيروز لتغدو في اعتلائها جارة النجوم.

الزمن الرحباني مسار عابق بالشعر بالغناء وبليال لبنانية، ضمّه هنري زغيب بحذافير مراحله الحياتية والتأليفية، في كتاب يصدح من صفحاته، صوت فيروزي، امتطى الأسطورة الرحبانية، وحلّق بها حتى رحيل عاصي.
في رحاب الأخوين الرحباني الصادر عن "دار درغام"، قصّة مشوّقة، بدأها المؤلّف صيف 1993 بلقاءات متتالية مع منصور. يقول: "في سويعات صفاء رحت أسجّل ذكريات قديمة كانت تنساب من عينيه قبل صوته وأحياناً من دموعه قبل كلماته، في تذكّره محطات عن عاصي وخاصة حادثة انفجار دماغه ومرحلته الأخيرة. كان مراراً يغالب الإجهاش بالتذكّر ويروي حياته مع عاصي في وحدنة مدهشة فلم ينسب إليه عمل تفرّد به دون عاصي".
يتوقّف الكتاب بيوغرافياً عند غياب عاصي، فالهدف منه عاصي ومنصور، ولا كلام فيه على منصور في مرحلة ما بعد عاصي مع غزير ما أنتجه منصور من أعمال بعد العام 1987، ولا كلام فيه على فيروز منفصلة، مع كل ما قدمته بعد "بترا"، ولا على الياس منفصلاً على رغم ما كان له من مساهمات في أعمال عاصي ومنصور. الهدف حين نبدأ نقرأ لنتذكر، نقرأ غالباً ما نسيناه. تبدو لنا واضحة في الكتاب، سيرة عاصي ومنصور كما رواها منصور منذ الطفولة حتى غياب توأمه في الخلق والابداع صباح السبت 21 حزيران 1986.
في هذه الطبعة الثالثة، شاء المؤلّف وفاء لمنصور بعد غيابه، ملحقاً للكتاب تحيّة له: "هو الذي نهار مأتم عاصي، إذ كنا على باب الضريح، اتكأ على كتفي وهمس لي: "الآن تدفنون مع عاصي نصف منصور". تذكرت هذه العبارة بعد 23 سنة ونحن نودّع منصور وأخالني أقول: اليوم اكتمل الغياب برحيل منصور إلى عاصي".
الشاعر هنري زغيب في توثيقه المتقن لهذا الكتاب التاريخي عن لبنان الرحابنة، قسّم الموضوع ثلاثة أجزاء، لكلٍّ منها ضوء على مبدعين ارتبطت سيرتهما رباطاً وثيقا بانتاجهما: بيوغرافياً، وشعرياً وشكلياً.
سيرة الأخوين رحباني ولاسيما الآتية من الطفولة، ضالعة في ثنايا أعمالهما، في شخصية من شخصيات مسرح ما أو ذكرى من حدث ما. المؤلّف في هذا المجال يوّسع آفاق السيرة بما فيها من مفاتيح للدارسين عن الفن الرحباني شعريا وموسيقيا وتقنيا وفنّيا، بما يضم من أسرار وأخبار وكواليس وشخصيات من واقع حياتهما تأنسنت في أسطورة مسرحهما.
ما يقوله الكتاب عن شكل القصيدة الرحبانية هو أن الأخوين عالجا جميع المواضيع فكتبا في مختلف الأنواع واستعملا لها مختلف الأوزان والأشكال الشعرية. كتبا القصيدة الغزلية والوجدانية والوطنية بمادة ليّنة، مصقولة، سلسة ومنسابة. إرث شعري ثري، سيبقى زادا للمتلقّين من مدرسة خالدة أنتجت تراثا لأجيال آتية.
عاصي الغائب عن لقاء العائلة، أبى منصور إلاّ أن يستحضره بأبيات، إنطلقت من صوت فيروز، جارحة، تعاند الغياب وتقهر بغنائها الفراق: "وطلّيت عبعلبك بعد عشرين سنة/ إسأل إذا شافك حدا تيدلّني/ لا تقول منك هون، بعدو عالدراج/ خيالك... وبعدا طايرة فيك الدني".
وتبدأ الحكاية الطويلة، قصة الأخوين رحباني كما رواها منصور لهنري زغيب، وكما أضافت الصور إلى الكلام محطات من الطفولة إلى سنوات البحث والتنقيب حتى أمسكا بالأسطورة الرحبانية وراحا بها يزفّانها بعد بعلبك إلى أنحاء العالم.
في رحاب الأخوين رحباني، قصة عبقريين حرثا أرض الوطن شعرا وغناء ومسرحا ومهرجانات، فاقت الخمس والعشرين تحفة أدبية- موسيقية، حتى في خضم الحرب الأهلية. وفي الحكاية طرائف وذكريات وقدر كُتبت له الشهرة وإسم مهما تثنى يبقى واحدا، ولو أن منصور أكمل الدرب بعد عاصي بعروض مسرحية كبرى حتى العام 2008 وكان آخرها "عودة الفينيق".
تذكر هنري زغيب يوم وفاة منصور، عنوان ديوانه "أسافر وحدي ملكا". لم يتكئ على كتفي هذه المرّة، أقفل الباب الأخير وسافر عند عاصي "سافر وحده ملكا".
"

مي منسى
جريدة النهار

17/03/2015